خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 20 من جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 22 / 11 / 2024م
] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، يَبْتَلِيهِمْ بِالسَّرَّاءِ لِيَنْظُرَ شُكْرَهُمْ، وَيَبْتَلِيهِمْ بِالضَّرَّاءِ لِيُمَحِّصَهُمْ وَيَخْتَبِرَ صَبْرَهُمْ، فَيَصِيرُ الْمُؤْمِنُ دَائِرًا بَيْنَ عُبُودِيَّتَيْنِ، عُبُودِيَّةٍ فِي الضَّرَّاءِ، وَعُبُودِيَّةٍ فِي السَّرَّاءِ؛ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
فَالصَّبْرُ سِلَاحٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَجُنَّةٌ لِلْمُحْسِنِ، وَضِيَاءٌ لِلْمُوقِنِ، ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِينَ مَوْضِعًا فِي كِتَابِهِ، وَاسْتَفَاضَتِ الْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ [الزمر:10]، وَقَالَ تَعَالَى: ]وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [ [هود:115]، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
عِبَادَ اللهِ:
وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ بِهِدَايَةِ الْقُلُوبِ وَصَلَاحِ الْأَعْمَالِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ [التغابن:11]، قَالَ عَلْقَمَةُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيُسَلِّمُ لِذَلِكَ وَيَرْضَى).
وَبِالصَّبْرِ يَبْلُغُ الْمُسْلِمُ مَرْتَبَةً فِي الْجَنَّةِ لَمْ يَكُنْ لِيَبْلُغَهَا بِعَمَلِهِ وَلَا بِجُهْدِهِ، بَلْ يُبَلِّغُهُ اللَّهُ إِيَّاهَا بِالصَّبْرِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ، فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَمَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا» [أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ].
وَالْمَصَائِبُ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ كَفَّارَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَرَافِعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: (الْمَصَائِبُ نِعْمَةٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُكَفِّرَاتٌ لِلذُّنُوبِ، وَلِأَنَّهَا تَدْعُوهُ إِلَى الصَّبْرِ، فَيُثَابُ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ، وَالذُّلَّ لَهُ، وَالْإِعْرَاضَ عَنِ الْخَلْقِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَظِيمَةِ).
وَالْبَلَايَا وَالْمِحَنُ مِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ بِهِ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً؛ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ فِي دُنْيَاهُ، فَلْيَتَعَزَّ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ لِلصَّابِرِينَ، وَالْمَثُوبَةِ لِلْمُحْتَسِبِينَ؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِنَّا وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ)، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْمَصَائِبَ مَهْمَا عَظُمَتْ فَعَاقَبَتُهَا إِلَى خَيْرٍ، مَا لَمْ تَكُنْ فِي دِينِهِ؛ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي -رَحِمَهُ اللهُ-: (مَا أُصِيبَ عَبْدٌ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهَا ثَلَاثُ نِعَمٍ: أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي دِينِهِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَعْظَمَ مِمَّا كَانَتْ، وَأَنَّ اللَّهَ رَزَقَهُ الصَّبْرَ عَلَيْهَا إِذْ صَبَرَ).
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَعَصَمَهُ وَآوَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [ [الأنفال:29].
عِبَادَ اللهِ:
مَنْ حَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهِ الشَّدَائِدُ، فَاشْتَدَّتْ بِهِ الْكُرُوبُ، وَعَظُمَتْ عَلَيْهِ الْخُطُوبُ؛ فَلْيَفْزَعْ إِلَى الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، وَلْيَلْجَأْ إِلَى الْوَاحِدِ الدَّيَّانِ، وَلْيَقُلْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ، ] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [ [البقرة:156-157]، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ، قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ ولَدَ عَبْدِي! فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ! فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَـقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ -أَيْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ-. فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
وَلْيَتَذَكَّرْ دُعَاءَ الْمُصِيبَةِ؛ لِيُخْلِفَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ وَأَعْظَمَ؛ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا - إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا». قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
لِيَحْذَرِ الْمُؤْمِنُ حَالَ الْمُصِيبَةِ أَنْ يَتَسَخَّطَ عَلَى رَبِّهِ، وَيَعْتَرِضَ عَلَى قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [ [الحج:11].
بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، وَيُوقِنَ بِمَوْعُودِهِ وَأَجْرِهِ؛ فَقَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهُ خَيْرٌ، وَالْمُصِيبَةُ
مَا جَاءَتْ لِتُهْلِكَ الْعَبْدَ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِتَمْتَحِنَ صَبْرَهُ، وَتُمَحِّصَهُ؛ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (فَلَوْلَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُدَاوِي عِبَادَهُ بِأَدْوِيَةِ الْمِحَنِ وَالِابْتِلَاءِ لَطَغَوْا وَبَغَوْا وَعَتَوْا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ خَيْرًا سَقَاهُ دَوَاءً مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ، يَسْتَفْرِغُ بِهِ مِنْهُ الْأَدْوَاءَ الْمُهْلِكَةَ، حَتَّى إِذَا هَذَّبَهُ وَنَقَّاهُ وَصَفَّاهُ؛ أَهَّلَهُ لِأَشْرَفِ مَرَاتِبِ الدُّنْيَا، وَهِيَ عُبُودِيَّتُهُ، وَأَرْفَعِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ رُؤْيَتُهُ وَقُرْبُهُ).
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة